معًا يمكن أن نفعل الكثير
لعل الكثير منا قد استوقفه حال طريقنا، ومرت عليه أيامٌ كرِهَ الأسفار من أجلها، وفكر أن يعمل شيئًا، ولكنه يراها عقبة كؤود، ما عساه أن يصنع لإصلاحها وتقويمها؛ لأن اليد الواحدة لا تصفق، وكيف له أن يجمع الناس على فكرة واحدة.
ولكن بحمد الله تلاحقت الأفكار وتواردت الخواطر، واتفقت ونضجت في عمل شيء يخفف المعاناة ويجمع الناس في مشروع موحد يقارب بين القلوب، ويتسابق فيه الخيرون، ويتنافس فيه العاملون، ولا يعجز القوم إذا تعاونوا، فتنوعت المبادرات والمفاجآت، فكان هذا المشروع الذي كان الكثير منا لا يتوقع له هذا التشجيع وهذا التفاعل، لولا أن الأهداف اتحدت والحاجة اجتمعت، وقد بلوتُ أسباب الحياة وسبلها فإذا التعاون قوة ونجاح، وإذا التخاذل والتنازع فشل وضياع، وباجتماع السواعد تبنى الأوطان، وباجتماع القلوب تخف المعاناة.
فاليوم سحائب الخير أقبلت في بلدتي وتداعى للخير والبذل أحبتي
عزائمُ كالجبــــــــال الرواسي في قوة تزيح ظــــلام الأرض في عزلتي
واليوم نحن نرى التنافس بلغ أشده على مستوى القرى والأفراد، كلٌّ بحسب ما يملك: من مال يدعم، أو يدٍ تعمل، أو رأيٍ يُقَدَّم، أو قلم يكتب وينشر، أو مواد للبناء تُبذل، أو كلمة تشجع الباذلين والعاملين على الإسهام الإيجابي والفعال في هذا المشروع الاستراتيجي والمهم، الذي يعتبر نجاحه نجاحًا لإرادة أبناء المديرية المتكاتفين والمتعاونين على الخير.
ولقد سرنا بحمد الله ما رأينا من تنافس وسباق لم تعهده عزلتنا من قبل، حتى صار الجميع رجالا ونساء يهتفون: نعم للعمل الجماعي، لا مكان للفردية؛ لأننا وحدنا قد نفعل القليل، ومعًا يمكننا أن نفعل الكثير، وربما جئنا جميعًا على قوارب كثيرة، ولكنا الآن في سفينة واحدة، ولا يبنى الحائط من حجر واحد، والتعاون قانون الطبيعة، وهو أمر الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وعندما يعمل الإخوة معًا تتحول الجبال إلى ذهب، والسيل اجتماع القطرات، والسواقي الصغيرة تصنع الأنهار الكبيرة.
وقد تظافر الجهد بِهَمٍّ، واتحد القوم بعزم، ليصنعوا مجدًا لأنفسهم، وصدقة جارية تبقى بعد موتهم، فطوبى ثم طوبى لهم، ونلاحظ تأخر بعض القرى والأفراد في تجاوبهم مع المشروع، على الرغم من كونهم محبين للخير ومتعاونين عليه، ولكنهم ربما تأنوا يفكرون في جدية المشروع، أو لم تصلهم الفكرة واضحة وكافية، فنقول للجميع السابقين واللاحقين: المشروع منكم وإليكم، وربما تأخرتم لتأتوا بالمفاجآت، فالحقوا بالركب لتسيروا مع قافلة الخير قبل أن تتوارى عنكم، واصنعوا العجائب، حتى إذا رحلنا وجاءت الأجيال من بعدنا ستجد ما تتذكرنا به، وتعلم أن قومًا وضعوا بصماتهم الطيبة على ثرى هذه الأرض، وتقول: مروا وهذا الأثر.
من لي بمثل مشيك المدلل تمشي الهوينا ثم تجي في الأول
وكل الأيادي إذا اجتمعت دنا المجد حتما لنا وابتسم
فالفرص متاحة {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]
بقلم/ رئيس المبادرة مكين عبده غالب